للجهاد هدفان رئيسان:
الهدف الأول: نشر الدعوة الإسلامية لإخراج الناس مكن الظلمات إلى النور... وإزالة العقبات التي تعترض الدعوة، ويطلق العلماء على الجهاد لتحقيق هذا الهدف جهاد الطلب، وهو فرض كفاية.

الهدف الثاني: الدفاع عن المسلمين وبلدانهم، عندما يعتدي عليهم عدوهم، ويطلق على هذا النوع من الجهاد جهاد الدفع، وهو فرض عين على أهل البلد الذي يحصل الاعتداء عليه، فإذا لم يكف أهل البلد وجب على من يليهم....

الهدف الأول يصعب اليوم تحقيقه بالقتال اليوم، لأن حال المسلمين في تفرقهم وعدم ثقة بعض دولهم في بعض، وقلة الانسجام بين كثر من الدول وشعوبها، وعد الإعداد المادي الكافي لمحاربة الأعداء، وعدم الاستغناء عن الأعداء في كثير من مرافق الحياة... ومنها على سبيل المثال السلاح بكل أنواعه وقطع غياره، كل ذلك لا يتيح للمسلمين هذا النوع من الجهاد.

ومع ذلك فإن وسائل نشر الدعوة اليوم متوفرة توفرا لم يسبق له نظير في تاريخ البشرية، من جريدة ومجلة ونشرة مكتوبة وكتاب، وأشرطة كاسيت وأشرطة فيديو، وإذاعة وتلفاز محلي وفضائي، وبريد عادي، وهاتف واتصال مباشر بكل بلدان العالم، وبكل فئاته ومؤسساته، وبريد إلكتروني، ومواقع إنترنت،،،، وبكل لغات الأمم...

ولو تم التعاون بين المسلمين، كل فيما يجيده ويقدر عليه، لنشر الدعوة بهذه الوسائل وغيرها، لما بقيت بقعة في الأرض خلية من بلوغ هذا الدين... والمقصر في اتخاذ هذه الوسائل مع قدرته وحاجة الناس إلى نشاطه آثم، مالم تقم بذلك طائفة كافية تسقط الإثم عن غيرها.

والأصل في الجهاد إذا توافرت شروطه، ومنها العدد الكافي والعدة، أن يكون للمجاهدين قيادة شرعية منبثقة من أهل الحل والعقد، جامعة للفقه في الدين ومعرفة الواقع الذي يتيح لها قرار الإقدام أو الإحجام، مراعاة لجلب المصالح للأمة ودفع المفاسد عنها.

هذا ما كان يحصل في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو الذي كان يقود الجيش الإسلامي في الغزوات، وهو الذي كان يرسل السرايا ويؤمر عليها الأمراء، وهو الذي كان يرسل العيون لجمع المعلومات عن الأعداء...

وهو الذي كان يمنع أًصحابه من القتال عندما تكون المصلحة في ذلك، حتى ولو كان للدفاع عن أنفسهم، كما كان الحال في مكة، فقد كان بعض الصحابة يتحرقون شوقا إلى مجاهدة المشركين الذين اشتد أذاهم عليهم، فلم يأذن الله تعالى لهم بالقتال، وهو العليم الحكيم.

قال تعالى: ((ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا [النساء (77)]

قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: "كان المؤمنون في ابتداء الإسلام وهم بمكة مأمورين بالصلاة والزكاة..... وكانوا مأمورين بالصفح والعفو عن المشركين والصبر إلى حين، وكانوا يتحرقون ويودون لو أمروا بالقتال ليشتفوا من أعدائهم.

ولم يكن الحال إذ ذاك مناسبا لأسباب كثيرة، منها قلة عددهم بالنسبة إلى كثرة عدد عدوهم ومنها كونهم كانوا في بلدهم وهو بلد حرام وأشرف بقاع الأرض، فلم يكن الأمر بالقتال فيه ابتداء كما يقال، فلهذا لم يؤمر بالجهاد إلا بالمدينة لما صارت لهم دار ومنعة وأنصار.

عن ابن عباس أن عبد الرحمن بن عوف وأصحابا له أتوا النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فقالوا: يا نبي الله كنا في عزة ونحن مشركون، فلما آمنا صرنا أذلة قال: (إني أمرت بالعفو، فلا تقاتلوا القوم، فلما حوله الله إلى المدينة أمره بالقتال فكفوا، فأنزل الله ((ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم)) الآية. ورواه النسائي كبرى 11112 والحاكم 2307 وابن مردويه من حديث علي بن الحسن بن شقيق به" [تفسير القرآن العظيم (2/349) تحقيق سامي بن محمد السلامة، دار طيبة]

وفي هذا درس للمسلمين الذين يستوطنون البلدان الغربية، فإن وضعهم يشبه وضع المسلمين عندما كانوا في مكة، لأن أهل الحل والعقد والمالكين للقوة المادية الشاملة هم غير المسلمين، فقيام بعض المسلمين [وهم قلة مستضعفة] بالهجوم على أهل البلد، قتالا أو اغتيالا أو تخريبا لمؤسسات، تترتب عليه مفاسد يصعب حصرها، وما قد يظن فيه من مصلحة لا يسوغ الإقدام عليه، لأن مصلحته ضئيلة جدا بجانب المفاسد المترتبة عليه.

فقد سوغ ما حصل في 11 سبتمبر في نيويورك وواشنطن، لليهود والصليبيين التعجيل بعدوانهم على المسلمين الموجودين في الغرب [إن ثبت أن بعض المسلمين قاموا به] وفي العالم الإسلامي كله، وبخاصة البلدان العربية، وبالأخص فلسطين وأفغانستان والعراق، وتخطيطهم الماكر للسيطرة على بقية دول المنطقة والعدوان على ثوابتها وإذلال أهلها، أمر غير خاف على من يتتبع تصريحاتهم، وما يخفون أشد.

[وإنما قلت: "التعجيل بعدوانهم" لأن العدوان كان مقررا قبل حدث سبتمبر بفترة طويلة، حيث تم لهم انهيار "العدو الأحمر" وهو الاتحاد السوفييتي بشيوعيته، فالتفتوا إلى عدو أقدم من الاتحاد السوفييتي، وهو ا"الإسلام" فسموه "العدو الأخضر"